في الأسبوع الماضي، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الأجنبية، بنسبة 0.28%، وسط إشارات مربكة بشأن مستقبل الاقتصاد وتطور أزمة فيروس كورونا.
هذا العام حتى الآن، ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 3.58% مقابل العملات الأخرى، محافظاً على أفضلية مقابل العملات الآمنة الأخرى مثل الين الياباني.
في الوقت الحالي، ربما تكون الولايات المتحدة واحدة من أكثر الدول تأثراً بتقدم الفيروس التاجي، مع وجود 738,913 حالة إصابة مؤكدة وعدد القتلى عند 39,015. وقد تسبب هذا الوضع بفوضى في أسواق الأسهم الأمريكية، حيث كان يمحو تقدم العامين الماضيين. حتى الآن، طالب 22 مليون أمريكي ببدلات البطالة، ومن المرجح أن تتسبب عمليات الإغلاق التي يسببها الفيروس التاجي بانخفاض اقتصادي بنسبة 6%، على الأقل وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.
لمواجهة الآثار الضارة للفيروس على الاقتصاد وتجنب الارتفاع السريع للدولار، قام الاحتياطي الفيدرالي بضخ سيولة ضخمة من خلال توسيع برنامج شراء الأصول، وكذلك إنشاء خطوط مبادلة السيولة مع العديد من البنوك المركزية و إنشاء برامج الإقراض. بالمجموع، قدم الاحتياطي الفيدرالي حوالي 2.3 تريليون دولار أمريكي من المساعدات الاقتصادية من خلال برامج الإقراض، وكان يشتري كمية غير محدودة من الأوراق المالية، وأوراق الخزائن، والأصول الأخرى المدعومة بالرهن العقاري.
أطلقت الحكومة الأمريكية أيضاً برنامج تحفيز مالي بقيمة 2 تريليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يضيف 1.8 تريليون دولار إلى عجز الميزانية الكبير بالفعل في العقد المقبل. تقترب مستويات الديون الأمريكية والعجز من مستويات لم نرها منذ الحرب العالمية الثانية، والتي دقت ناقوس الخطر بشأن أزمة ديون محتملة.
على الرغم من الوضع ونظرا لهذه الجهود لجعل الدولار أقل جاذبية، فقد أعرب المتداولين (بشكل متكرر) عن تفضيلهم للدولار منذ بداية الأزمة. هذا أمر مفهوم على الرغم من الآثار السلبية للفيروس على الاقتصاد الأمريكي والجهود المبذولة لزيادة عرض الدولار، خاصة وأن الوضع الاقتصادي في بقية العالم لا يبدو أن له آفاق أفضل. على سبيل المثال، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنسبة 7.5%، بما يتماشى مع بقية العالم، باستثناء دول شرق آسيا التي من المتوقع أن تظل في المنطقة الإيجابية.
إلى جانب ما سبق ذكره، لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الدولار يعتبر العملة الاحتياطية العالمية، لذلك فمن المنطقي أن أصحاب الأعمال يخزنونه للبقاء بمأمن من حيث السيولة خلال الأزمة.
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفضل السيناريو الحالي. يتناقض هذا الموقف مع ادعاءاته السابقة، حيث اعتاد على انتقاد فكرة امتلاك عملة قوية حيث يدعي أنها ستؤثر على الشركات المصنعة الأمريكية.
قال ترامب الأسبوع الماضي: "الدولار قوي للغاية، والدولارات - الدولارات القوية جيدة جداً بشكل عام".
على الرغم من مزاياها، إلا أن ارتفاع قيمة الدولار بشكل زائد له سلبياته. من ناحية، من شأن الدولار القوي أن يقوي مكانة الدولار كعملة احتياط للعالم بالإضافة إلى خفض قيمة الواردات. من ناحية أخرى، يضر هذا الوضع بالمصدرين واقتصاديات الأسواق الناشئة التي تعتمد على احتياطياتها من الدولار، والتي تكون ديونها مقومة بهذه العملة .
في الوقت الحالي، نتوقع جميعاً (على الأقل تدريجياً) العودة إلى الوضع الطبيعي، نظراً لانخفاض معدلات الإصابة حول العالم. من المتوقع أن يستمر هذا التحسن في الوضع في المستقبل القريب، لكن الحقيقة هي أننا لا يمكننا التأكد من ذلك ما لم نحصل على لقاح أو علاج للمرض قريباً.
حتى إذا عدنا إلى الوضع الطبيعي في الأسابيع المقبلة، فقد يكون من الحكمة ألا نتوقع تعافياً على شكل حرف V قريباً، خاصة إذا أصرت حكومة الولايات المتحدة على إبقاء إجراءات التباعد الاجتماعي. بالنظر إلى ذلك، من المستحسن لمتداولي الدولار مراقبة المؤشرات الاقتصادية بعناية في الأشهر المقبلة، حيث أصبحت مخاطر الركود العالمي أكثر أهمية من أي وقت مضى.