منذ عدة شهور الآن، ربما حتى سنوات، تقوم الأنظمة المالية التي تحكم العملات العالمية الرئيسية بإتباع سياسات مالية كريمة. هذا يعني خفض قيمة العملة و تحديد معدلات فائدة منخفضة جداً (و في بعض الحالات معدلات سلبية)، و الكثير من التيسير الكمي، أي زيادة ضخ المال و طباعة النقود. يقال في العادة بأننا نعيش في حقبة العملات الوطنية الرخيصة الغير مدعومة بأي شيء غير الديون، و الذي يتزايد في كل مكان بشكل كبي.
إذا ما إعتبرنا بأن هذا الأمر صحيح، عندها سوف يكون على متداولي الذهب التسائل لماذا يقوم الذهب ، الذي يعد مخزن ثابت للقيمة و المخزن الحقيقي الوحيد للقيمة في العالم، بالتراجع بشكل مستمر منذ حوالي 3 سنوات، حيث أن التداول بالذهب يبدو بأنه يشهد عدد كبير من الراغبين في بيعه. في حال كنت تتسائل ما إذا كان الأمر يتعلق بالدولار الأمريكي القوي، و الذي يسعر به الذهب، عندها عليك التفكير مرة أخرى: سعر الذهب يتراجع خلال هذه الفترة باليورو كذلك، و اليورو بالتأكيد يهبط خلال هذه الفترة، إذا، فإن الذهب لا يرتفع.
حقيقة أن سعر الذهب الفوري لم يرتفع صراحة يعطينا في الحقيقة فرصة لإعادة تقييم ما كنا نعتقد بأننا نعرفه عن تأثير الأساسيات الإقتصادية على سعر الذهب. يمكننا النظر إلى كل عنصر على حدة.
سعر الذهب لم يرتفع بسبب أن السوق غير خائف بما يكفي، أو يزدهر بما فيه الكفاية
التضخم
على الرغم من أننا بالتأكيد نعيش في عالم يتم فيها خقض العملات على مقياس كبير بما يكفي للتسبب بكوابيس للنقديين القدامى، فإن هناك ضغط تضخمي قليل جداً في البيئة الحالية، على الأقل حتى الآن. نحن نعيش في مناخ غريب، حيث معدلات الفائدة قريبة من الصفر أو حتى أنها سلبية، و لكن التضخم يرفض الإرتفاع. من الممكن أن يكون الأمر وجود تضخم و ليس زيادة في المعروض من العملة النقدية نفسها هو الذي يميل للتسبب برفع سعر الذهب. و لكن، لو كانت تلك هي الحالة، لماذا كان الذهب يرتفع كثيراً خلال العالم 2011، عندما لم يكن هناك سوف تضخم بسيط؟
الخوف من عدوى الديون
الفرق الرئيسي بين الأشهر الأخيرة و 2011 هو أن هناك خوف أقل بكثير من الأزمة الكارثية المتعلقة بعدوى الديون مقارنة بتلك الفترة عندما بدت منطقة اليورو قريبة من الإنهيار تحت الديون. على الرغم من أن الأزمة اليونانية هددت مرة أخرى بالإضطرابات الكبيرة في وقت مبكر من فصل الصيف عندما بدى خروج اليونان من الإتحاد الأوروبي محتملاً و ربما حتى مرجحاً، فإن مستوى الخوف بشأن قدرة الدولة على خدمة الديون قلت بدرجة كبيرة.
الذهب كمقياس للفرنك السويسري؟
خلال العام 2011، كان هناك أصلين قويين يمكن شرائهما: الذهب و الفرنك السويسري. بدى هذا الأصلان في تناغم، و كلاهما يرتفع بشكل أكيد، و قام العديد من المحللين بإعطاء أرقام تظهر ترابط إيجابي قوي تاريخياً بين الإثنين. بما أن هناك حصة كبيرة من السبائك الذهبية تصنع في سويسرا و تخزن هناك، يبدو بأن الأمر منطقي.
في حال كان هذا عنصراً رئيسياً، فقد توقف عن كونه كذلك يوم قرر البنك الوطني السويسري فجأة بأنه لن يجلس مكتوف اليدين و الفرنك السويسري يرتفع بلا نهاية. أغلبية الإقتصاد السويسري تقدم بناءاً على الصادرات لتحريك الإزدهار، و ليس الودائع البنكية و الخدمات المالية. الفرنك السويسري كان يتحرك في نمط تنازلي منذ ذلك الحين، و عندما بدأ تهديد ذلك النمط بشكل جدي، أجبر البنك الوطني السويسري عملية خفض أخرى للقيمة من خلال فك الإرتباط باليورو و تقديم معدلات فائدة سلبية بمقدار 0.75 من النقطة. على الرغم من أن الفرنك السويسري إرتفع مبدئياً بشكل حاد، إلا أنه يبدو الآن من المعقول بأن خفض القيمة كانت فعلياً النية الأخيرة، بعد السماح للبنك الوطني السويسري بتصفية وضعياته عند أسعار خيالية كما يقال، و التي كانت نتيجة التلاعب بالسوق من قبل البنك نفسه.
تراجع الطلب
في الغالب ما يتم نسيان بأن هناك الكثير من الطلب الخاص على الهذب، سوءاً من أجل تحويله إلى مجوهرات أو كمخزن للقيمة بالنسبة للأفراد و العائلات. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الصناعات التي تستخدم الذهب، و الكثير من الطلب في هذه الفئات يأتي من الأسواق الناشئة مثل الصين و الهند. هناك الكثير من المؤشرات على تراجع الطلب عالمياُ و ضمن هذان السوقان، حيث أن التعافيات الإقتصادية المستمرة تبقى طفيفة و سطحية. أسهم الذهب، أي الأسهم في شركات التعدين على الذهب، كانت هي الأخرى في ركود.
نسبية السعر
إرتفع سعر الذهب فعلياً عام 2005، و تضاعف خلال السنوات القليلة التالية، قبل أن يتضاعف مرة أخرى تقريباً في فترة أقصر كثيراً. عندما يتم تحقيق مثل هذا الزخم طويل الأجل من إرتفاع الأسعار في أمر يعتبر مخزناً للقيمة مثل الذهب، فإن السعر عندها يصبح له حياته الخاصة. يصبح الناس أكثر رغبة في بيع المجوهرات القديمة و ممتلكات العائلة عندما يرون السعر يرتفع بشكل قوي أسبوعاً بعد الآخر. مثل هذا النمط يقوم كذلك بجذب الكثير من المضاربين، الأمر الذي يبقي على إستمرار النمط.
من الممكن أن يرتفع السعر من سعر الذهب اليوم بحوالي 1000$ للأونصة. و لكن من قد يصدق هذا الأمر؟ سوف يحتاج الأمر أشهر من الإرتفاعات السعرية القديمة من أجل الإنطلاق الحقيقي.
التقلبات في أسعار الذهب، أكثر بكثير من معضم أدوات المضاربة، تبقى مغلفة في الغموض بالنسبة لأغلبية من لا يستمثرون و يتداولون بالذهب، و بالنسبة للكثير ممن يقومون بذلك أيضا!
الخلاصة
سعر الذهب لم يرتفع بسبب أن السوق غير خائف بما يكفي، أو يزدهر بما فيه الكفاية. يجب أن يكون هناك وفرة أكثر أو خوف أكثر من عدوى الديون أو التضخم لكي يحصل السعر على دفعة حقيقية. الذهب لن يرتفع.