خلال الأرباع السنوية القليلة الماضية، شهدنا تحسن كبير في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعمالة و النمو و النشاط الإقتصادي و الإنفاق الإستهلاكي و الميول الإستهلاكية. من حيث النشاط، يبدو من الواضح جداً أن الولايات المتحدة تسير على الطريق الصحيح نحو الإنتعاش، في حين أن معظم بقية العالم إما في حالة ركود أو في حالة إنكماش. لماذا إذاً لا يرتفع الدولار الأمريكي بشكل أكبر من الزيادة الأخيرة؟
إلى جانب الغموض المرتبط بالإنتخابات الرئاسية المقررة في 6 نوفمبر، و التي تعيق أي محاولات لتوقعات قاطعة بخصوص الإجراءات الإدارية، فإن هناك الجرف المالي الذي يحوم في الخلف و الذي يقترب أكثر في كل يوم.
مصطلح "الجرف المالي" يشير إلى الوضع الذي من المقرر حالياً أن يحدث بتاريخ 1 يناير 2013، حيث أنه في ذلك التاريخ، سوف نشهد تراجع مفاجئ في العجز الأمريكي إلى حوالي 607 مليار دولار (من خلال زيادة العوائد من الضرائب بالإضافة إلى خفض الإنفاق). من المتوقع أن يرافق هذا الوضع (بدرجة كبيرة من الحتمية) حجم كبير من التباطئ الإقتصادي. يتوافق التوقيت مع تمرير مجموعة من القوانين و مع تطبيق بعض القوانين من قبل الإدارتين الأخيرتين في محاولة لتحفيز النمو.
يتكون الجرف المالي من عنصرين رئيسيين: الضرائب و النفقات الحكومية.
تخفيضات الضرائب التي على وشك أن تنتهي صلاحيتها تعود إلى فترة الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" خلال فترة رئاسته الأولى. في العام 2001 و العام 2003، تم خفض ضريبة الدخل بالإضافة إلى ضريبة العقارات. هذه "الأحكام" المؤقتة من المقرر أن تنتهي بتاريخ 31 ديسمبر 2012. على سبيل المثال، سوف تعود الضريبة العقارية إلى 55% على أي شيء تزيد قيمته عن مليون دولار، من المعدل الحالي عند 35% على أي شيئ تزيد قيمته عن 5.12 مليون دولار، و سوف ترتفع ضريبة الدخل من 35% إلى 39.6%. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر البدأ بتطبيق الضرائب ذات الصلة بقانون الرعاية الصحية.
من ناحية أخرى، يتوقع خفض ما قيمته 1.2 تريليون دولار من الإنفاق الحكومي بتاريخ 1 يناير. ذلك التاريخ و المبلغ تم الإتفاق عليها في إتفاقية بين الرئيس الديمقراطي و الكونغرس الجمهوري عام 2011. و كجزء من الجهود الساعية للإتفاق على رفق سقف الديون الأمريكية في ذلك الوقت، تم الإتفاق على تشكيل "لجنة خارقة" من ممثلين عن الحزبين الديمقراطي و الجمهوري من أجل العثور على حل للمشكلة، أو تطبيق الخفض بقيمة 1.2 تريليون دولار. حسناً، لقد فشلت اللجنة الخارقة في الوصول إلى إتفاق حتى الآن، و بالتالي، تصبح هذه التخفيضات حقيقة بشكل متزايد في كل يوم. الأمر المثير للسخرية، تم إختيار الجحم المهول من التخفيضات من أجل الضغط على السياسيين للموافقة على طريقة لتجنبها.
إذاً، مالذي سوف يحدث للإقتصاد الأمريكي؟
حوالي نصف الخفض في الإنفاق سوف يأتي من الميزانية الدفاعية. هذا يعني خسائر كبيرة لدى المتعاقدين مع القوات الجوية و الدفاعية (مثل:لوكهييد-مارتن)، و الذي من المحتمل أن ينتج عنه عمليات تسريح عمال كبيرة أيضاً، و ما يزال من غير الواضح 100% كيف سوف يتم تقسيم النصف الآخر من التخفيضات، و لكن يمكننا بالتأكيد أن نتوقع عمليات خفض في عدد العاملين في الحكومة كذلك.
من الناحية الإستهلاكية، فإن هنا إحتمالية لأن يكون هناك تأثير شديد السلبية بسبب أن الأسر (خصوصاً التي تنفق كثيراً) تواجه ضربة على دخلها القابل للصرف (بعد الضرائب). خلاصة القول، هو أننا ما المحتمل أن نواجه الركود مرة أخرى.
مالذي يمكن القيام به بهذا الصدد؟
في الواقع لا يوجد الكثير مما يمكن القيام به مع عدا المداولات و الإعلانات الدعائية. الكثير من الغموض هو نتيجة الإنتخابات القادمة. حيث أن الديمقراطيين و الجمهوريين لديهم وجهات نظر مختلفة بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها تجنب الكارثة، و هوية الرئيس الجديد و نتائج الإنتخابات البرلمانية لها أهمية جوهرية في هذا الأمر. بما أن السباق قريب إلى هذه الدرجة، فإن ذلك يجعل كل طرف يقوم بترسيخ وضعياته و سوف ننتظر حتى نرى من الذي سوف يسيطر في الإنتخابات.
بشكل عام، يفضل الجمهوريون تمديد جميع التسهيلات الضريبية و أيضاً تأجيل الإنفاق الحكومي، خصوصاً الإنفاق المتعلقة بالدفاع، فبعضها أيديولوجي "ئمثل الضرائب" و البعض الآخر سياسي (صناعة الدفاع)، و لكن بشكل عام، فإن موقفهم هو تأجيل الحاجة للتعامل مع المشكلة.
إلا أنه يمكن القول بأن الديمقراطيين أكثر واقعية، و هم أيضاً الأكثر شعبية. فيما يتعلق بالضرائب،فإن موقف الديمقراطيين بأن الناس الأغنياء (الأشخاص الذين يحققون أكثر من 200 دولار أمريكي سنوياً، أو الزوج الذين يحققون أكثر من 250 دولار سنوياً) يجب أن يتقفوا عن تلقي التسهيلات الضريبية و أنه بالنسبة للجميع، سوف يتم منح تمديد لمدة عام آخر.
الجرف المالي يشكل خطراً حقيقياً و حاضراً بالنسبة للإقتصاد الأمريكي. هناك تقديرات مختلفة بشأن مدى عمق الركسد الذي سوف يتبع الجرف، لذلك لا نرى أي فائدة أن نقوم بأي تنبئ بهذا اليوم المشئوم، و لكن هنا شك بسيط بإنه إن لم تقم الحكومة بإجراءات لتجنب هذا الوضع، فإن الأمريكيون من كافة أطيياف المجتمع (و ربما بقية العالم) سوف يتأثرون بشكل سلبي مع مرور النصف الأول من العام.