في ظل عالم متقلب سياسياً واقتصادياً، يبرز الذهب من جديد كملاذ آمن للمستثمرين حول العالم. ومع استمرار التضخم، وتذبذب أسعار العملات، وتصاعد التوترات الجيوسياسية في عدة مناطق، يبدو أن المعدن النفيس استعاد بريقه. عام 2025 يحمل مؤشرات متضاربة؛ البعض يراه عام صعود تاريخي للذهب، وآخرون يحذرون من تصحيحات قاسية. فهل يستمر الذهب في الارتفاع؟ أم أن القمة قد تكون قريبة؟
أداء الذهب حتى النصف الأول من عام 2025
منذ بداية يناير 2025 وحتى نهاية أبريل، حقق الذهب مكاسب قوية تجاوزت 12%، إذ قفز من نحو 2,180 دولارًا للأونصة إلى حوالي 2,450 دولارًا في نهاية أبريل. كان هذا الارتفاع مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية:
- السياسة النقدية الأمريكية: رغم أن الفيدرالي الأمريكي لم يخفض الفائدة بشكل مباشر، إلا أن التصريحات الصادرة عنه ألمحت إلى توجه نحو تخفيف السياسة النقدية في النصف الثاني من العام، مما أضعف الدولار وعزز الذهب.
- الطلب العالمي المتزايد: ارتفعت مشتريات البنوك المركزية بشكل كبير، خصوصاً في آسيا، مما زاد من الطلب على المعدن الأصفر.
- التوترات الجيوسياسية: النزاعات المستمرة في أوكرانيا، وتهديدات الأمن البحري في البحر الأحمر، إضافة إلى التوترات بين الصين وتايوان، ساهمت في تعزيز رغبة المستثمرين بالتحوط عبر الذهب.
كما شهدت أسواق المشتقات العقود الآجلة للذهب حركة مكثفة، وهو ما يعكس الثقة المستمرة في المعدن.
أداء الذهب المتوقع في النصف الثاني من 2025
وفقاً لمعظم المحللين، قد لا تكون القمة الحالية للذهب هي الأخيرة. التوقعات تشير إلى استمرار الاتجاه الصاعد ولكن بوتيرة أقل سرعة. من المحتمل أن يتراوح سعر الأونصة بين 2,550 و2,600 دولار في حال استمرت الأوضاع العالمية على حالها، أو تفاقمت.
ومع ذلك، هناك احتمالات لتصحيح سعري في حال:
- تراجع التوترات الجيوسياسية.
- تحسن أداء الدولار.
- تغير مفاجئ في سياسات البنوك المركزية الكبرى.
لكن حتى في سيناريو التصحيح، يتوقع أن يظل الذهب أعلى من حاجز 2,200 دولار، مما يجعله خيارًا استراتيجيًا للمستثمرين.
الذهب في البلاد العربية: مصر، الأردن، العراق، المغرب
?? مصر
يُعد السوق المصري من أكثر الأسواق تأثراً بتغيرات أسعار الذهب العالمية، وذلك بسبب تقلب سعر صرف الجنيه. خلال النصف الأول من 2025، تجاوز سعر جرام الذهب عيار 21 حاجز 4,000 جنيه مصري، مع تفاوت شديد بين سعر البورصة والسعر المحلي بسبب رسوم المصنعية وضعف العرض. يشهد السوق نشاطاً مرتفعًا في الادخار بالذهب، خصوصاً في ظل ضعف البدائل الاستثمارية.
الأردن
رغم الاستقرار النسبي في سعر الدينار الأردني، شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا تدريجيًا. لا تزال المناسبات الاجتماعية (مثل الزواج) محركًا رئيسيًا للطلب، إلى جانب فئة محدودة من المستثمرين الأفراد الذين يتابعون السوق عبر المنصات الرقمية.
العراق
يحافظ الذهب على مكانته كوسيلة مفضلة للادخار في العراق، خصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية. الأسواق الشعبية تشهد حركة نشطة، كما أن الطلب في إقليم كردستان متزايد نتيجة الاستقرار النسبي في الإقليم.
المغرب
المغرب يشهد اهتمامًا متزايدًا من جيل الشباب بالاستثمار في الذهب، سواء من خلال الحُلي أو عبر المنصات الرقمية. السعر يتبع السوق العالمي بشكل دقيق، وسط ارتفاع تدريجي في الطلب على السبائك الصغيرة والذهب الاستثماري.
هل ينصح موقع ديلي فوركس المتداولين بشراء الذهب هذا العام؟
يؤكد موقع ديلي فوركس في تقاريره الأخيرة أن الذهب لا يزال يمثل فرصة جذابة للمستثمرين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة. وقد جاءت توصيات الموقع على النحو التالي:
- المستثمر قصير الأجل: يُنصح بالحذر واستخدام أوامر وقف الخسارة (Stop Loss) في ظل احتمالات التصحيح المؤقت.
- المستثمر طويل الأجل: الذهب ما زال خيارًا استراتيجيًا للتحوط من التضخم والأزمات.
- التوقيت: يُفضل الشراء عند التراجعات وليس عند الذروات السعرية، لتحقيق أفضل ربح ممكن.
الموقع يشير أيضاً إلى أهمية تتبع الأحداث السياسية والاقتصادية بعناية لأنها قد تُغير الاتجاهات بسرعة.
الملخص
أثبت الذهب مرةً أخرى في عام 2025 أنه ليس مجرد معدن ثمين، بل أداة استراتيجية لا غنى عنها في المحافظ الاستثمارية، خصوصًا في فترات عدم الاستقرار العالمي. مع تصاعد الأزمات الجيوسياسية وغياب الوضوح حول اتجاهات الاقتصاد العالمي، يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن يضمن الحفاظ على قيمة أموالهم بعيدًا عن تقلبات العملات وأسواق الأسهم. أداء الذهب حتى الآن في النصف الأول من العام يُظهر بوضوح أن الطلب عليه في تزايد مستمر، سواء من قبل البنوك المركزية أو الأفراد. ومع أن الأسعار قد تشهد بعض التصحيحات المؤقتة، إلا أن الاتجاه العام ما زال إيجابيًا على المدى المتوسط والطويل، لا سيما في ظل البيئة التضخمية الحالية وانخفاض الثقة في العملات الورقية.