المملكة المتحدة والأعمال التجارية

الصناعات الثقيلة في المملكة المتحدة، وصناع الحديد والتعدين وبناء السفن وإنتاج السيارات، إلخ، كانت في وقتٍ ما المحرك الرئيسي في الإقتصاد البريطاني. أحد تأثيرات العولمة كان خروج الصناعات الثقيلة من الدول المتطورة إلى العالم النامي بسبب تكاليف الإنتاج، وخصوصاً الأجور وتكاليف الطاقة، الأرخص. منذ السبعينات، أصبح الإقتصاد البريطاني أكثر اعتمادية على قطاع الخدمات، حيث التمويل يعتبر مكون رئيسي. برزت لندن بكونها واحدة من المراكز المالية العالمية ومحور للمؤسسات المالية من خارج الإتحاد الأوروبي من أجل تأسيس مقرات لها بحيث تكون قادرة على الإستفادة من الفرص في السوق الأوروبي عن طريق التمرير "passporting".

اتفاقيات التجارة الحرة (FTA) مصصمة من أجل تسهيل التجارة بالأمور المادية من خلال ضمان أن المنتجات المصنعة في دولة ما متوافقة مع معايير الدول المستوردة، وأن التعاريف على المنتجات تخفض إلى الحد الأدنى. ولكن، هذه الإتفاقيات لا تطبق على توفير الخدمات بين الدول. أحد الميزات الرئيسية للمملكة المتحدة والناتجة عن عضويتها في الإتحاد الأوروبي هو حرية التجارة في قطاع الخدمات بين الدول الـ 28 الأعضاء في الإتحاد وكأنها تقوم بذلك في منطقة سيادتها. ولكن، المملكة المتحدة تغادر الإتحاد الأوروبي والحكومة استبعدت أن تكون جزء من السوق الموحدة أو الإتحاد الجمركي.

بوريس جونسون، من المؤيدين البارزين للمغادرة، ووزير الخارجية البريطاني الحالي، إدعى بشكل مشهور أنه "يؤيد الكعكة ويؤدي أكلها"، في إشارة إلى أن المملكة المتحدة من الممكن أن تتوقف عن كونها عضو مساهم في الإتحاد الأوروبي، ومع هذا تستمر بالتمع بمزاياه. تتضح سخافة هذا الموقف فور كتابته. صرحت رئيسة الوزراء في كلمتها في مجلس لانكستر بأن المملكة المتحدة سوف تنسحب من الإتحاد الأوروبي، وتنهي حرية الحركة وعضويتي الإتحاد الجمركي والسوق الموحدة وسلطة محكمة العدل الأوروبية، مع هذا، فإنها ترغب في الحصول على "علاقة تجارية مخصصة وعميقة وخاصة مع الإتحاد الأوروبي" أي ما ترغب به فعلاً هو عضوية الإتحاد الأوروبي (من دون التأثير) ولكن من دون أن تكون مقيدة بقوانين. مرة أخرى، فإن هذا موقف غير ممكن طبعاً، حيث أنه إن منح للمملكة المتحدة من دون مساهمة، أو من خلال مساهمة أقل بكثير مما تدفع الآن، فإن الدول الأخرى سوف تفشل في تفسير لمواطنيها سبب استمرارهم بدفع المستحقات.

حاولت المملكة المتحدة الحصول على الدعم من قادة الأعمال التجارية في دول الإتحاد الأوروبي، على أمل أنهم سوف يستخدمون نفوذهم مع حكوماتهم لتقديم أرضية للمملكة المتحدة ، في وقت يتم تجاهل المطالب المشابهة من نظرائهم البريطانيين. لن ينجح هذا الأمر.

في نفس الأسبوع عندما أشارت شخصيات أوروبية رئيسية إلى أن ما يزال بإمكان المملكة المتحدة تغير رأيها والبقاء في الإتحاد الأوروبي إلى أن تغادر فعلياً، تم عقد اجتماع قمة بين المملكة المتحدة وفرنا، والذي انتهى بجلسة أسئلة وأجوبة للصحافيين. طرح سؤال على الرئيس ماكرون: "لماذا لا ترغب في ضم الخدمات المالية في الإتفاقيات التجارية المستقبلية؟ هل تريد معاقبة بريطانيا؟ أو هل تريد أن تأخذ الوظائف؟ أو هل تعتقد بأن المملكة المتحدة تحاول أن تحصل على الكعكة وأن تأكلها؟" إجابة الرئيس ماكرون تغلق الباب بصرامة في وجه حماقة موقف "الحصول على كعكتنا وأكلها:

"أرجو أن تسمحوا لي بأن أكون واضحاً جداً. أنا لست هنا من أجل المعاقبة ولا المكافأة. أنا أريد في التأكد من أن السوق الموحدة محفوظ لأن ذلك يقع في قلب الإتحاد الأوروبي. إذاً، فإن الخيار يقع على الجانب البريطاني وليس لدي أنا. يمكنهم الحصول على نفاذ غير متباين للخدمات المالية. إن أرادوا الوصول إلى السوق الموحدة، بما في ذلك الخدمات المالية، فهم محل ترحاب. ولكن، هذا يعني بأن عليك المساهمة في الميزانية وأن تقر بالصلاحيات الأوروبية. هذه هي القوانين ونحن نعلم بأن هذا هو النظام المطبق حالياً بالنسبة للنرويج.

إن أردت الحصول على نفاذ تجاري، فإن ذلك سوف يغطي كل شيء، ولكن ذلك لا يعني إمكانية نفاذ كامل للسوق الموحدة وللخدمات المالية. وإلا، يكون الأمر أقرب إلى وضع كندا. لدينا بعض الإتفاقيات التجارية التي تمنح إمكانية الوصول إلى جميع الخدمات، المالية وغيرها، وإمكانية الوصول كذلك إلى أي قطاع صناعي،ولكن ليس بنفس مستوى العلاقة إن كنت عضواً في السوق الموحدة. ولن يكون هناك نفاق في هذا الموضوع، وإلا فإنه لن ينجح. أو أننا سوف ندمر السوق الموحدة واتساقها.

إذاً، الأمر بسيط. لن أرغب في استناء أي قطاع في الإتفاقية التجارية القادمة. المفاوضات سوف تقاد من قبل مايكل بارينير. ولكن هذا لا يعني بأن إمكانية الوصول الذي سوف تسمح به سوف يكون معادلاً لأن تكون عضواً في السوق الموحدة. وإلا يمكنك الإختيار ما بين النروج أو أن تكون مساوياً لعضو حالي في الإتحاد الأوروبي".

من الصعب تخيل إجابة أوضح لوضع المملكة المتحدة. السؤال الآن هو هل سوف تقبل المملكة المتحدة أنها سوف تخسر صادرات الخدمات المالية البريطانية-الأوروبية ولن تعود قناة مالية عالمية للإتحاد الأوروبي، أو هل سوف تعيد التفكير؟

طاقم ديلي فوركس
يتألف طاقم ديلي فوركس من محللين وباحثين من دول عربية وأجنبية مختلفة، يراقبون حركة سوق التداول وأسعار العملات على مدار اليوم بهدف توفير أدق وأسرع التحاليل الفنية والأساسية ووجهات نظر متنوعة وفريدة من نوعها لجمهور المتصفحين والمتداولين.